انتشار هواة التصوير في القدس وعي أم “موضة”؟

on الجمعة، 8 مارس 2013


يرى المتجول في الفيسبوك أنه أصبح معرضاً كبيراً للصور من كل مكان. ففي الآونة الأخيرة نلحظ تزايداً في أعداد صفحات المصورين وهواة التصوير جماعات وأفراداً، وخاصة في مدينة القدس. ولعل انتشار الهواتف الذكية، والكاميرات الرقمية، وسهولة توافر الانترنت ساهم في هذا التزايد.
يرى أصحاب هذه الصفحات أنها شكلت منبراً لتوثيق جغرافية وتاريخ القدس، وأداة لنقل الواقع المرير لمن هم بعيدون عنها، ولا يصل بينهم وبينها إلا نافذة الانترنت، فكانت هذه الصفحات عنواناً لتسليط الضوء على القدس من زوايا أصحابها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ذلك التزايد تزايد نوعي؟ وكيف يضيف إلى مسيرة تشكيل الوعي؟ وهل يلعب دوراً حقيقياً في التوثيق، أم أنه يميل إلى اتخاذ طابع “الموضة” التي ما أن يتبناها أحدهم حتى يسارع الآخرون إلى تقليده؟ “شبكة قدس” تحدثت مع بعض هؤلاء المصورين الهواة عن تلك الأسئلة.


توثيق المكان هدفهم ..
التوثيق هو الهدف الأساسي للتصوير، هكذا قال غالبية مسؤولي الصفحات التي تهتم بالقدس وشؤونها. يقول فادي عميرة مسؤول صفحة “نبض القدس” التي تنشر صوراً مختلفة عن المعالم التاريخية للمدينة وقراها: “نقوم في مجموعتنا بالتوثيق الفوتوغرافي لكل ما ينبض بالحياة في هذه المدينة، وكل ما يحدث في القدس من أحداث وفعاليات ثقافية واجتماعية وسياسية”.
أما صابرين طه، مسؤولة صفحة “صوّر عالماشي” في الفيسبوك فتؤكد على فكرة مشابهة:” نبتغي في مجموعتنا توثيق البلدة القديمة؛ بهدف حمايتها من التهويد، فتصوير المكان يعني توثيقه وبالتالي حماية الصورة الأصلية له من أية إضافات توراتية قد تطرأ عليه”.
وكذلك صفحة “مدينة القدس” التي تقول في التعريف عنها أنها صاحبة أكبر عدد من المتابعين في منطقة القدس، يشرح أحد مدرائها عبد العفو الزغير قائلاً: “نحاول إظهار طابع مدينة القدس العربي الإسلامي على الانترنت والشبكات الإجتماعية بعد ما كانت، وما زالت إلى حد ما، تعاني من فقر كبير في المحتوى الصوري والمعلوماتي على الانترنت”.`



التصوير وتوثيق الإنتهاكات الإسرائيلية
في السياق الفلسطيني، لا يمكن الحديث عن التصوير والتوثيق للمكان فحسب، بل تجبرك السياسة أن تخوض غمارها. فالانتهاكات الاسرائيلية المتكررة في المدينة المحتلة لا تمر مرور الكرام من أمام عدسات المصورين. فاستغلت تلك المجموعات آلات التصوير الحديثة، وبدأت نشرها للعامة لتثبت وترسخ قدسية المدينة، ولتفضح زيف المظاهر اليهودية فيها.

تلك الأيدي عملت بتواصل لتوثيق القدس وما يجري بها من عمل، عمل دؤوب، وصور متكررة النشر في كل يوم، تروي حكاياتها حكاية التاريخ المقدسي العريق، بكل ما تعانيه من آلام، وكل ما تملكه من عزيمة وصبر، ودور الاحتلال في طمس معالم المدينة المقدسة، لتتملكها أيادي الاحتلال، وتورد طه في حديثها: “بأننا نحاول فضح انتهاكات الاحتلال في تغييره لشكل المكان، ويقترن ذلك عادة بمجموعة من المفاهيم، مثل تسمية حائط البراق بحائط المبكى مثلاً. وبالتالي، حينما نقوم بنشر الصورة، نكتب أسفلها حائط البراق وتاريخ المكان ليتسنى لأي مشترك جديد في صفحتنا التعرف على المكان وترسيخ المعلومة في عقله مقرناً ذلك بصورة وشكل المكان”. وهنا يفيد الزغير أيضاً بأن: “التصوير الفني والتوثيقي مهم في القدس، فهي تحت الاحتلال والتهويد وتتغير كل يوم بعد يوم وبحاجة لأكبر قدر ممكن من المصورين لتوثيق حقوقنا على الأقل”. ويعبر محمد دويك، مصوّر مقدسي وله صفحته في الفيسبوك، عن ذلك بقوله أن: “ظاهرة التصوير في القدس بازدياد، وذلك لا يضر القدس، بل على العكس، فالإعلام له دور كبير في التأثير على الناس، ومن الواجب علينا إيصال صورة مشرفة ومشرقة عن القدس، ونقل ما يحصل فيها من انتهاكات بعدساتنا الشخصية لأننا أبناء القدس”.
الصور والرمزية الدينية
مدينة القدس تحتضن الكثير من المساجد والكنائس فيها، كل أخذ حيزه ولم يتطفل على الآخر، وصنع ذلك انسجاما يشعر الناس فيه بالسلام والأمان. الصورة تظهر هذا الانسجام بينها وتؤلف القلوب بين شعبها، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي تطفل على ذلك الانسجام ونسج خيوطه حولها، حتى أصبحت شبكة شديدة التعقيد، صعبة الخلاص. يقول الزغير بأن: “الصورة تنقل الواقع، فعندما تكون العنصرية موجودة، يجب أن تنقل كما هي بدون أي إخفاء أو تغيير، وكذلك التسامح والحب في القدس”.

المسجد الاقصى يحتل الحصة الأكبر من صور المصورين المقدسيين، حيث يعدّ المَعلم الأهم للمسلمين في مدينة القدس بل في فلسطين كلها، إضافة إلى جمال تفاصيله وروعتها، وأيضاً كنيسة القيامة بالنسبة للمسيحيين، وكذلك العديد من المعالم الدينية، فوجودها في القدس موزعة يخلق ذلك الانسجام، وتلعب الصورة هنا دوراً كبيراً في التعبير عن هذا التقارب الديني. وهنا يؤكد دويك بأن: “الصور تعبر عن جمال المكان الذي فيه نتقرب إلى الله، وتزيد من قدسيته”.
نشر الوعي
تظهر هواية التصوير عند الكثيرين بالأخص عندما ترتبط بقضية تهمّ المصور نفسه وتشغل باله. حينها تكون الهواية وسيلة للتعبير عما يجول في خاطره وعما تراه عينه. ومقابل ما نراه في هذه الصفحات من وعي وتوثيق، هناك من يأخذ هذه الهواية عن مجرد “موضة”، وصفحاته تعبر عن قلة الوعي والعلم بما يمكن نشره وما لا يجدر نشره.
وعقب على ذلك عميرة بأن: “معظم المجموعات الموجودة اليوم، وبالأخص المقدسية منها، تصنف تحت اسم موضة، والدليل هو عدم التزامهم اتجاه القدس وما يحدث فيها، وخروجهم للتصوير فقط في أوقات فراغهم، ونشرهم للصور على صفحاتهم الخاصة تحت مسمى المصور فلان الفلاني”. أما طه فكان رأيها بأن: “الخبرة التي يفتقر لها الكثيرون في التصوير وغياب الهدف الواضح يؤدي إلى عرقلة الجهد تجاه القدس”. والزغير يقول في السياق ذاته بأن: “ذلك يعتمد على مقدار الوعي عند المصور وطريقة استخدامه للتصوير خاصة بالمواجهات أو المظاهرات بحيث لا يتسبب بالضرر لغيره، وإخفاق الكثير يأتي لضعف الخبرة أو الجهل بأسس التوثيق والنشر والعمل الصحفي”.
الانترنت بيئة مفتوحة على جميع الأصعدة، وبعض هذه الصفحات هي محط أنظار ومتابعة الكثيرين، لذلك ينبغي على هواة التصوير إلى جانب إظهار انتهاكات الاحتلال بالقدس وتوثيق تاريخها ونقل قصص وتجارب المواطن المقدسي ، يمكن استغلالها بأن يكون هناك خطوات إيجابية أخرى لها هدف واضح وسامٍ، كإحداث تغيير وتحرّك على مستوى إقليمي ودولي من خلال هذه النافذة إلى العالم، فالقدس قضية يجهل بتفاصيلها الكثيرون.

التقرير منشور في شبكة قدس
http://www.qudsn.ps/article/669


0 التعليقات:

إرسال تعليق

أي تعليق مسيئ أو يحوي كلمات لا أخلاقية سيتم حذفه .. شكرا لكم